الجريمه السياسيه

دعوت في البوست السابق إلى ضرورة أن ينزل الناس للمشاركه في إنتخابات الأحد الماضي لتضييق الخناق على فرص النظام لتزوير إرادة الشعب في اختيار ممثليه في المجلس القادم.وكنت أرى وفقا لإعتقادي تاره ، وانخداعي مثل الأخرين وعلى رأسهم القوى السياسيه في وعود القابضين على مقاليد السلطه في التأكيد على انها ستكون انتخابات نزيهه ، تارة أخرى.إضافه إلى رغبة الأجيال الجديده في التغيير الحقيقي وطموحاتهم وآمالهم المتعلقه بهذا الحلم ..والكثير من الظروف والملابسات والرغبات في الداخل والخارج ..وأحيانا التلويح بالضغوط ، من أجل ضمان حد أدنى على الأقل من النزاهه.

لكن ماحدث الأحد الماضي ،كان جهرا بإصرار الحزب الحاكم على إغتيال إرادة الأمه وتزويرها لصالحه.وعوده لعهود الظلام السياسي الخالي من التعدديه ولكن في ثوب جديد يتقدمه وحش رأس المال الذي حوسل كل شيئ في يد ثله من المطبلاتيه يعثون في البلاد فسادا.

إن أشد المتفائلين بالتغيير،لم يتمنوا أغلبيه جديده خارج سور الحزب الوطني لخلاص مصر.ولكن على الأقل تمنوا تمثيل مشرف يعطي للمعارضه  وجودا قويا تحت القبه لضمان حقوق المطحونين.كما أن أشد المتشائمين لم يتصوروا أن تصل حالات التزوير إلى هذه النسب الفلكيه.فكرة المعارضه في النظام المصري غير وارده ..وتأصلت في وجدان التكنوقراط أكثر من السياسيين أنفسهم الذين تاهوا في أدغال الحزب الحاكم.وخير مثال على هذه الفكره، رد الفعل المستفز لوزير التعليم العالي على الإعلامي محمود سعد وقت الأحداث المؤسفه في جامعة عين شمس ، حينما اتهمه بأنه ينتمي للمعارضه..في صوره قبيحه تبين أن المعارضه شيئ غير مألوف في مجتمعنا..وتبين مدى الهوان الذي وصلت إليه أحوال النخبه نفسها قبل العامه.

ماحدث في الجوله الأولى للانتخابات التشريعيه المصريه ، يعد جريمه سياسيه بكل ماتحمل الكلمه من معنى ،وخطوه إلى الوراء مقدارها ألف ميل.ولعلي أعول على قرار انسحاب القوى السياسيه من هذه المهزله لاسيما الوفد ، بنزع الشرعيه عن هذا المجلس حتى وان انحصرت في الوجه الأدبي أمام العالم.كنا نأمل وبكل أمانه ان يصدق الحزب الحاكم مع رغبة الناس في تجفيف منابع الفساد من الحياه السياسه المصريه ..وأن يبدأ الإصلاح بنفسه على اعتبار أنه اندمج مع الدوله في صوره صعب الفكاك منها هذه السنوات.ولكن يبدو أنه بالفعل مفيش فايده.

هذه الانتخابات تعتبر من وجهة نظري، صوره طبق الأصل من انتخابات المجمع الانتخابي للحزب الوطني.فالحزب كان ينافس نفسه بتزوير الإراده الشعبيه.حتى بعض أعضائه من العناصر الجيده بالفعل، نوى عدم الدفع بهم في الانتخابات..ولما تنبهوا لذلك وتحت وطأة إرادة الناخبين ترشحوا مستقلين ، فأسقطهم الحزب بدم بارد برشاوى ماليه كبيره لصالح القادرين على الدفع.

الانتخابات الرئاسيه القادمه ، ستكون النكته الحقيقيه في تاريخ مصر الحديث.فبعد أن عدل ترزية النظام الدستور وقانون مباشرة الحقوق السياسيه على مقاس مرشحين بعينهم ، الكل كان متصور أن ذلك سيحدث في وجود مرشحين آخرين من الأحزاب ولو من باب تجميل صورة مصر أمام العالم.لكن نظرا لخلو المجلس القادم إلا من الحزب الوطني ، لن يكون هناك أي منافس أصلا حتى نقول له فرصه أم ليس له.