أحداث 24 ساعة

الثورة تجدد نفسها

الثورة تجدد نفسها





الجمعة الماضية 8 يوليو، مرحلة فاصلة في مشوار الثورة المصرية.. ولا شك أن خروج المصريين هذا اليوم لميدان التحرير والميادين الرئيسية، ماهو إلا رد فعل طبيعي ونتيجة للإخفاقات العديدة طوال الشهور الماضية، وضمانة أساسية للحفاظ على حلمنا بثورة التغيير الحقيقي، وليس إحدى صيحات الموضة السياسية. إن هذا اليوم لايقل أهمية عن يومي 25 و28 يناير، فقد برهن على حيوية الشعب المصري وديناميكية ثورته المجيدة بعد إندلاعها بأكثر من خمسة أشهر.

 فالبطء والتردد، وأحيانا التخبط والبلادة في اتخاذ القرارات أغرقت المجتمع في حالة جدلية غير مسبوقة.. بين من مع الاستفتاء ومن ضده.. بين من مع نعم ومن مع لا.. وبين من مع الدستور أولاً ومن مع الانتخابات... الخ؛ ما أدى إلى حدوث إنشقاقات فكرية عميقة بين كل التيارات على الساحة بل وداخل كل تيار ذاته، وإعطاء الفرصة للكثير من المحسوبين على النظام السابق، حزبياً وإعلامياً وأمنيا لأن يتسللوا للظهور بعباءات جديدة حفاظاً على مصالحهم الخاصة أو طعناً في الثورة التي هددت تلك المصالح.

إن هذه الحالة التي عشناها أحدثت نوعاً من الضبابية على المشهد العام في مصر نتج عنه في تصوري إنشغال الثوار الحقيقيين عن مراقبة أداء الحكومة فيما يتعلق بالملفات الأكثر حساسية والمرتبطة بالثورة.. وهو ماتنبهت له متأخرا كل القوى وتداركته بتنحية الخلافات والصراعات السياسية جانباً لتتفق على شعار " الثورة أولاً ".

فعلامات الإستفهام على حكومة الدكتور عصام شرف أصبحت كثيرة جداً. بدءاً من بعض الوجوه فيها المنتمية للنظام السابق، وحدود علاقتها بالمجلس العسكري، وتعاطيها مع القضايا الرئيسية، خاصة وأن الرجل جاء للوزارة محمولاً على الأعناق من ميدان التحرير في مارس الماضي، وُنعتت حكومته بـ " حكومة الثورة ". إن تراخي وتناقضات الحكومة بل وتبنيها أحياناً سياسة ودن من طين وأخرى من عجين، يذكرني بكل أسف بحكومة نظيف في سنواتها الأخيرة.

وعندما يُحاكم آلاف المدنيين من المطالبين بالحياة الكريمة – على أنهم بلطجية -  أمام المحاكم العسكرية في الوقت الذي يحاكم فيه قتلة الشهداء ورموز الفساد أمام القضاء العادي، فمؤكد هناك خلل كبير. وعندما تسيطر المتابعة الدقيقة للأحوال الصحية لمبارك على سوق الأخبار، ومدى تناسب أخلاق المصريين وبرستيج رئيس سابق مع نقله لسجن طره، مؤكد نعيش في كوكب آخر. وعندما يكون البطء سيد التقاضي، ويحصل بعض الوزراء الفاسدين على براءات حضورياً وغيابياً، ويفرج عن ظباط الشرطة المتورطين في قتل زهرة شباب الوطن.. ولايزال يمارس البعض منهم مهام عمله في وزارة الداخلية أثناء سير التحقيقات، فلا شك أننا نتحدث عن بلد أخر غير مصر الثورة. وعندما يعين المحافظين بنفس الأسلوب السابق، وينقل الكثيرين من قيادات جهاز أمن الدولة المنحل إلى جهاز الأمن الوطني الجديد، ويعود للإعلام وزارة مرة أخرى، ويرفض المجلس العسكري إقتراح رئيس الحكومة تغيير عدد من الوزراء كما يرفض إستقالة الدكتور يحيي الجمل ثم يرفض أخيرا إستقالة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لأكثر من مرة، فمؤكد ستزورني قريبا عائلتي وأصدقائي في مستشفى العباسية. وكان حرياً بالرجل، أن ينزل لميدان التحرير-الذي استمد منه شرعيته- ليعلن موقفه بصراحه أنه مكبل اليدين كحكومة، أو يجلس في منزله على حد تعبير البعض.

نعلم جميعاً، أن هناك فارق بين الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فالأخير، قد يكون ممثلاً أو غير ممثل للأول حسب طبيعة تشكيله.. وأنا أحد الذين لا يشككون في إخلاص ووطنية أعضاء المجلس بل ورئيسه. لكن مسار الأحداث ومواقف المجلس تثير الريبة والشك، ونحن بشر. هل تناسى أعضاء المجلس العسكري أن النظام السابق، كان ينظر للجيش على أنه مجرد أداة من أدواته، وحديث أحمد عز عن القوات المسلحة المصرية وكأنها جيش من المرتزقة يعمل لحساب من يدفع.. في محض كلماته القبيحة بمجلس الشعب موجهاً إياها للإخوة العرب المنتقدين لموقف مصر من القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة: "اللي عاوزنا نحارب يدفع، إحنا مش هنحارب ببلاش". هل تناسى المجلس أن ثورة يناير، هي من أعادت الجيش لوضعه الطبيعي، ووضعته في صدر المشهد، بعدما توارى في المقاعد الخلفية طوال سنوات حكم مبارك وعصابته، ويتقاعس الأن عن محاسبتهم؟! ولما لم يتحدث السيد المشير بشكل مباشر إلى المواطنين ولو مرة، خاصة ويبدو أنه الآمر الناهي في كل شئون الدولة بعد خلع مبارك؟!

ولن ينطلي مرة أخرى على الشعب المصري، الذي إنتزع بالثورة ودماء أبناءه حريته المسلوبة، نفس المسكنات التي تخرج من بيانات الحكومة والمجلس العسكري لتخدير الرأي العام، الذي يغرق بعد كل بيان في مناقشة دوافعه ومفرداته، وعلاقته بالبيانات السابقة واللاحقة ، دون أي تغيير ملموس في جوهر مايجري على مسرح الأحداث.. وكأنها مايمكنني تسميته بـ " رفاهية الثورة".

إن دماء الثورة المصرية تتجدد الأن، عندما تعيد الإستمرار بإصرار على تحقيق كل مطالبها، المشروعة. وباعتبارها حدث إستثنائي، فيجب أن تكون الأدوات والآليات إستنثائية أيضا وعلى مستوى هذا الحدث. لذا ينبغي أن تكون الأولوية للإسراع بمحاكمة قتلة الشهداء- وعلى رأسهم مبارك والعادلي- جبراً لمشاعر ذوويهم وكل المصريين المدينين لهم بالحرية، وتحقيق الاستقلال الحقيقي للقضاء بغل يد الحكومة عن التدخل في شئونه، تطهير وزارة الداخلية فوراً من كل جنرالات ورجال الوزير السابق الذين مازالوا يقيدون حركة الوزير الحالي. والإقتناع بضرورة تضميد جراح وآلام المواطنين أولاً من جبروت جلادي النظام من رجال الشرطة.. قبل الحديث عن تعاون الناس معهم والحفاظ على مشاعرهم عند نزولهم الشارع. بالإضافة إلى منطقية إقصاء أو إقالة كل رؤساء الأجهزة الرقابية الذين تستروا على فساد حكم مبارك ورجاله ومازالوا يعملون حتى الأن في مواقعهم، وكأنهم مسخرين لكل العصور على وزن عاش الملك مات الملك. علاوة على الحديث عن وضع حد أقصى للأجور بالتوازي مع الحد الأدنى؛ تحقيقاً للعدالة الإجتماعية المأمولة.. فمازال هناك دخول لموظفين تتجاوز المليون جنيه.! وغيرها من المطالب والخطوط العريضة التي تلقى اتفاق وقبول عام من الشعب المصري.

وأخيراً، لا أجد غضاضة في إستمرار التظاهر كآلية ضامنة لتحقيق المطالب الشعبية، خاصة في ميدان التحرير، لكن دون أن يتحول الأمر إلى تعطيل دولاب الإنتاج ومصالح الناس اليومية، بل والمصالح العليا للدولة وعلاقتها بالعالم الخارجي، مثل عرقلة الملاحة في قناة السويس. وبكل الحب والإخلاص، أوجه تحية من القلب، تتجاوز بإخلاص الأحداث الجارية، إلى كل مصري غيور على صالح الوطن دون أي دوافع ذاتية آنية وأنانية، وعلى رأسهم وقود الثورة من خيرة شباب مصر.

بقلم/ السيدعبدالرازق

2 تعليقات القراء:

محمد عبد التواب يقول...

المدونة رائعة وكلام جميل وثورة ثورة حق وثورة نصر باذن الله مصر هتكون وهتبقا اعظم الدول ...

قلم رصاص يقول...

محمد عبدالتواب

شكرا جزيلا اخ محمد على مرورك وتعليقك المتميز

ومصر الى الأمام ان شاء الله

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Free Web Hosting