ليس أخرالرجال المحترمين في مصر!

     أثار قبل الأمس ترشيح مصر رسمياً للدكتور مصطفى الفقي كأمين عام لجامعة الدول العربية خلفاً للسيد عمرو موسى، غـُصة في نفسي لم تقل عنها في حالة الدكتور مفيد شهاب. صحيح أن الرجل على المستوى الفكري ينال إعجابك. لكن ماذا عن مواقفه السياسية والشخصية تجاه ماحدث ويحدث في مصر؟ خاصة وأنه كان إبن النظام وأحد خدمته ومنظريه على مدى سنوات طويلة..منذ كان سكرتيراً لمعلومات الرئيس السابق. يكفي أنه نجح في إنتخابات مجلس الشعب بالتزوير المتعمد لا لشيئ سوى رغبة الرئيس لذلك، وَقبِلَ الرجل لعب دوراً مزيفاً دون أي خجل.

    ألا تتذكروا ماحدث بينه وبين الأستاذ هيكل منذ عدة سنوات عقب تصريحه المستفز لجريدة المصري اليوم بأن الرئيس القادم لمصر لن يأتي إلا بعد موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل عليه؟!.. ثم يقول منذ أيام أنه قد آن الأوان لرئيس مصر القادم أن يقول لا لأمريكا.. يالا العجب على التلون وتبدل المواقف بين عشية وضحاها. ألم ننسى أيضاً أنه رغم دفاعه المستميت طوال عمره الوظيفي وحتى بعد إقصاؤه من مؤسسة الرئاسة وحتى أشهر قليلة عن حسني مبارك ونظامه، أن قام ببيعه في حديث لقناة الجزيرة بعد إندلاع الثورة بأيام؟!. والأكثر إستفزازاً إنتقاده - كذباً وإفتراءً- للزعيم الراحل عبد الناصر، أنه اهتم بتبنى القومية العربية على حساب علاقات مصر بافريقيا.

 وهو خلاف الواقع تماماً، فالرجل اهتم بالجانبين إهتماماً شديداً وكان ذلك منهجه السياسي. ورداً عليك يادكتور، ماذا فعلت أنت ونظام مبارك لأفريقيا سوى تقويض دور مصر، بما نتج عنه من تقسيم السودان وتهديد أمننا المائي؟!، وبمأ أنك تنتقد ناصر لإهتمامه بالعرب، كيف تسعى الآن لتكون أميناً عاماً للبيت العربي؟!

   إذاً نحن أمام شخص إنتهازي، كان خادماً في بلاط النظام السابق ومدافعاً عنه ومنظراً له طوال السنوات الماضية، في عز(أسف في اللفظ) إكتواء الشعب المصري بكل طوائفه ونُخبه المحكومة والمثقفة بنيرانه وسطوته وقبضته الحديدية التي كممت كل الأفواه ووقفت عكس حركة التاريخ لمواجهة أي تطور طبيعي للمجتمع نحو الأفضل. والمثير في الأمر، أنه كان دائماً يدعي خروجه من عباءة النظام؛ لذا تم إقصاؤه من سكرتارية الرئاسة لانتقاده بعض الأوضاع الداخلية فيه. تماماً كما روج بعض التافهين عن أن زكريا عزمي، كان يمثل تياراً معارضاً داخل مجلس الشعب المنحل.!

    إن سقوط شخص مبارك مع إستمرار وجود الدولة المصرية، يُعد رداً حاسماً على  كل منافقيه ممن إدعوا بأنه إذا حدث ذلك ستنهار مصر. من هنا، أتعجب كل العجب وكلي أسى وحزن من ترشيح مصطفى الفقي لهذا المنصب الرفيع والذي بلا شك سيكون ممثلاً لأول جمهورية مدنية بمصر في العصر الحديث. إنه تناقض صارخ بين النقمه على إخفاقات الماضي وبين تحدياتنا للمستقبل. العيب ليس عند الفقي، فتصرفاته ومواقفة المتناقضة لن تنطلي علينا، بقدر اللوم على قرار ترشيحه رسمياً من القائمين على إدارة شئون الدولة في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن. فلا يستقيم ترشيح رجل قام بغسل مواقفه القديمه - خلال عدة أيام - الداعمة للنظام السابق، والغفلة عن العديد من النخب المتميزة من السياسيين والديبلوماسيين والأكاديمين وأساطين الفكر في المراكز البحثية المصرية الذين يبهرون العالم.