حقوق الإنسان والدوله المصريه

المطالب المتكرره بالحفاظ على حقوق وحريات الإنسان في مصر وغيرها من الدول من جانب المنظمات الدوليه ، ليس وليد اللحظه بل هو أمر ونتيجه منطقيه للتطور الذي شهده هذا المجال منذ مايزيد على نصف قرن. فالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وكذلك ميثاق الأمم المتحده منذ عام 1945 يؤكد على ضرورة التزام الدول بحماية حقوق الإنسان.

ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ، تبعه العهدان الدوليان للحقوق المدنيه والسياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه عام 1966م ، لنكون أمام منظومه قانونيه دوليه ترسخ لفكرة الحمايه الواجبه لحقوق الإنسان في كل مكان. إضافه الى وجود عدد كبير من المنظمات الدوليه والإقليميه والوطنيه ليس لها دور سوى الإضطلاع والإهتمام بهذا الشأن والتنسيق فيما بينها للضغط على الحكومات لإنفاذ التزاماتها بحماية حقوق الإنسان داخل أراضيها.

وبمرور السنوات والعقود ، تطور العالم كثيرا في مجال انتقال السلع والخدمات والأفراد وتلاشت أمام ذلك الحدود وأصبحنا في خضم مايعرف بالعولمه كنظام فرضته ظروف التطور التكنولوجي وأصبح العالم يبدو بالفعل دون تهوين او تهويل قريه صغيره .

وأمام هذا المشهد المختلف تماما عن الماضي ، أصبح الإنسان في كل مكان يمكن ان نطلق عليه المواطن العالمي .هذا المواطن في السابق كانت تحد من حمايته وحقه في الحياه والعمل والانتقال وغيرها من حقوق الانسان وعلاقته بنظامه الحاكم ، الحدود السياسيه لبلده. أما الأن وقد اختلفت الصوره ، فلم يعد من حق أي دوله الإدعاء بالتدخل في شئونها الداخليه فيما يخص موضوعات حقوق الإنسان ، لاسيما وأن معظم هذه الدول موقعه على إتفاقيات دوليه خاصه بهذا الأمر وتعلم جيدا أن عليها إلتزامات نتيجة كونها طرف فيها.

لذلك فإنني في غاية الحيره بل والغيظ من ردة فعل الحكومه المصريه على بيان الإتحاد الأوروبي الذي طالب فقط بفتح تحقيق في قضية مقتل خالد سعيد.فقد اتسم الرد المصري بالتخبط والارتباك والاتهام بالتدخل في الشئون الداخليه .. رغم ان هذا الأمر لم يحدث. العجيب أن الحكومه المصريه لديها اتفاق شراكه مع الإتحاد الأوروبي ، يقدم بمقتضاه المساعدات الفنيه والإقتصاديه لمصر والغاء الحواجز الكميه والجمركيه امام انتقال السلع والخدمات بين الطرفين ، في مقابل ان تقبل مصر مراقبة كلا الطرفين للأخرفي مجال حقوق الإنسان .. وبالفعل وافقت مصر وكانت موافقه في محلها لأن الاتفاقيه ليس فيها أي إذعان أو لي ذراع لمصر... لكن الأخطاء دائما تأتي من جانبنا. فالإتحاد الأوروبي استفاد من ضم السوق المصري 80 مليون نسمه لدخول منتجاته دون رسوم ونحن لم نستفد من السوق الأوروبيه الكبيره لأنه ببساطه بضائعنا ليست بالجوده المطلوبه وهذه مشكلتنا وليست مشكلتهم .. فنحن دائما لا نفي بالتزاماتنا.

الشق الثاني وهو الأهم والخاص بموضوع حقوق الإنسان ، فمراقبة الإتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان في مصر ليس تدخلا في شئوننا الداخليه وإذا كان كذلك فلماذا وقعت الحكومه المصريه الإتفاق؟ هناك فارق كبير بين التدخل من أجل الإنسان وبين إستغلال حقوق الإنسان لأهداف إستعماريه وسياسيه .. فالأخير نحن ضده قلبا وقالبا دون شك ، فكما من حق المجلس والبرلمان الأوروبي مراقبة حقوق الإنسان في مصر فمن حق مصر أيضا مراقبة حقوق الإنسان في أوروبا طبقا لإتفاق الشراكه وطبقا للعهود والمواثيق الدوليه التي تسبقه. وإذا كنا لم نفعل فهذه أيضا مشكلتنا وليست مشكلتهم .. هذا فقط للرد على من يدعون بأن الهدف هو التدخل في الشئون الداخليه لمصر.. صحيح هناك موضوعات أخرى لايحق لأوروبا أو غيرها إثارتها لدينا تحت دعاوى حقوق الإنسان ، فنحن أيضا ضدها ولكل مقام مقال.

ماإستفزني أيضا ، أن مصر أرجعت سبب رفضها للبيان الأوروبي أن ورائه شخصيه يهوديه في حين لم تهتز شعره للكرامه المصريه إزاء بيان الكونجرس الأمريكي عن حالة حقوق الإنسان في مصر والذي دائما ماتكون لهجته أشد واعنف من نظيره الأوروبي بل وصل الى درجة تهديده بقطع المعونه إذا لم تنفذ بعض المطالب الأمريكيه ، فيالها من مهانه أمريكيه لمصر وكيل بمكياليين مع إسرائيل وانتهاكها لحقوق الانسان الفلسطيني ليل نهار دون حتى لوم او تلميح عن المعونه وغيرها.

على مصر أن تفيق من سباتها العميق ، فأضعف الإيمان أن تلتزم بما وقعت عليه حتى ولو من باب الحفاظ على صورتنا أمام العالم. وأن تفهم أن الإنسان المطلوب حماية حقوقه هو مواطن مصري إبن مصر وليس إبن ساحل العاج.....!