قدَر مصر كدولة محورية وصاحبة حضارة ضاربة بجذورها في التاريخ وتشدو بجمالها الجغرافيا ، جعلها دائماً مطمعاً لكل القوى على مر العصور.فاندحرت على صخرتها وانكسرت سَطوة الموجات الإستعمارية منذ عهد الدولة القديمة على يد الجماعات الآسيوية الرعوية ، مروراً بغزو الهكسوس في نهاية عهد الدولة الوسطى ، ثم إحتلال الآشوريين للأراضي المصرية في القرن السابع قبل الميلاد.ولم تتوقف تلك الهجمات ، فجاء قمبيز بجيوش الفرس التي تحكمت في البلاد والعباد قرابة سبعين سنه ، إنتهت بدخول الإسكندر الأكبر ثم حكم البطالمه الذي قاومته الثورة المصرية آنذاك لسنوات طويله حتى خلصت البلاد منه.ثم سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المحروسه ، ومجيئ الحملة الفرنسية والإحتلال البريطاني 1882 ،الذي لم ينتهِ نفوذه فعلياً إلا بعد قيام ثورة 52 وإعلان الجمهورية الأولى.ثم العدوان الثلاثي في 56 ، وهزيمة 67 وصولاً إلى حرب التحرير الكبرى في 1973.هكذا كانت مصر وستظل ، مقبره للغزاه.
أنا لا أكتب التاريخ ، فلست أهلاً لذلك ، بقدر إحتياجي لتلك المقدمه أعْبُر عليها كِجسر إلى ما أريد طرحه في هذا المقال.مصر كما نعرف جميعاً كانت محْط أطماع قديماً كما قلت ، وحديثاً من القوى العظمى، منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية ومع الموجه الأولى للحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة ، والشرق بقيادة الإتحاد السوفييتي السابق.لكن السؤال ، ماذا عن حرية القرار السياسي المصري منذ تلك الفتره إلى وقتنا هذا؟!
ومع شعور النظام الوطني الجديد بقيادة عبدالناصر بالهوان من سنوات الإستعباد والإستعمار التي نهبت مصر وقيدت حريتها في المجال الدولي ، إرتأى في ذلك الحين أنه ليس في مصلحة الدول النامية ، ومنها مصر ، إلا الحياد فيما يدور من صراعات بين القوتين الأعظم في العالم ؛ حفاظاً على مصالحها وللتركيز على جهود التنمية الإقتصادية في تلك الدول آنذاك.ثم تأكدْ هذا النهج بعد مؤتمر بريوني الشهير بين زعيم الهند نهرو ، والزعيم المصري عبدالناصر ، والرئيس اليوغسلافي تيتو .. ونتج عنه ماعُرف بسياسة عدم الإنحياز.وما أن وقع عدوان 56 ، إنزلقت مصر إلى مستنقع الحرب الباردة بتوجهها نحو الإتحاد السوفييتي بعد صفقة السلاح الكبيرة مع تشيكوسلوفاكيا.وبالتالي أصبحت مصر بشكل مباشر في وجه الولايات المتحده ومصالحها في المنطقة بمجرد صداقتها للسوفييت.بالطبع إتسمت سياسة مصر الخارجية في تلك الفتره بالجنوح نحو الشرق الذي تلقت منه المعونات الإقتصادية والعسكرية الخ .وبما يعنيه هذا من عداء شبه صريح مع أمريكا التي وقفت بكل قوتها لدعم إسرائيل وصراعها مع العرب.
ثم جاء الرئيس أنور السادات ، وأعلن تأييده لما عُرف وقتها بسياسة الوفاق الدولي بين القوتيين العظميين.لكن سرعان ما سقط هو الآخر في شرك الحرب الباردة التي كانت لاتزال محتدمة بصرف النظر عن هذا الوفاق الصوري.وذلك بتغييره إتجاه الدفه بدرجة 180 من الإتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة بشكل كامل.
بالطبع في كلا الحالتين ، كانت لنا خسائر ومكاسب.لكني أعتقد أن التحالف الغير بريئ مع الولايات المتحدة ، كانت خسائره أعظم .وأن هذا التحالف في عهد السادات ، والذي كانت دوافعه في المقام الأول الضغط على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي العربية خاصة سيناء ، أقل ضرراً وسوءاً على مصر وإستقلال قرارها السياسي عنه في عهد حسني مبارك.
في عهد مبارك ، وقعتْ القاهرة على بياض لواشنطن خاصة في السياسة الخارجية.فكانت مصر لاتستطيع أن تتجاوز الدور الذي رسمته لها الولايات المتحدة بحكم الهامش الذي لم تكن لتسمح لها بأكثر منه.تماماً كما كان يفعل النظام السابق مع المعارضة ، التي تقوقعت على نفسها نتيجة الحصار المفروض عليها بقبضة الأمن.
فالخسائر على مستوى السياسة الخارجية ، تمثلت في تقزيم الدور الرائد والإقليمي الكبير لمصر ، وتراجعه بشدة مُفسحاً الطريق لأنصاف دول تريد تمثيل الزعامه على حساب مصر ولعب أدواراً غير مؤهله لها لولا هذا الوضع المُخزي لصانع القرار الوطني.فالعلاقات العربية العربية التي دائما وأبدا كانت سمتها الرئيسية علاقة أخوية ، أصبحت تشوبها الندية والتبجح والتطاول على مصر..وأصبح المصري ، لاقيمة له خارج حدود وطنه إذا ماتعرض لأي مضايقه أو أذى.وعلى مستوى الأمن القومي والإستراتيجي للدولة في المنطقة ، إرتفع سقف التنازلات المصرية لإسرائيل على كل الأصعده.فسيناء منطقة تعد منزوعة السلاح وتجبرنا إتفاقية الهوان مع إسرائيل على عدم إنتشار الجيش المصري إلى حدود معينه وفق الرغبة الأمريكية-الإسرائيلية.وحوادث القتل المتكرره للقناصة الإسرئيلية للمصريين من مدنين وعسكريين خير دليل وشاهد على هذا الوضع المرير.وعلى الصعيد الإقتصادي ، تأتي إتفاقات تصدير الغاز المصري المليئة بالإذعان والشروط المجحفه لمدد تزيد على عشرين عاماً وبأسعار زهيدة للغاية عن السعر العالمي ، لتشكل خسائراً كبيرة لنا ودعم من النظام الحاكم لشعب إسرائيل المحتل للأراضي العربية.
وفيما يختص بالعمق الإستراتيجي في أفريقيا ، كانت المصيبة أعظم.حيث تراجع الدور المصري بشكل يفوق التصور والعقل وترك الساحه خاليه للولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل وأخيراً الصين.فعلى مستوى الأمن القومي ، شطرت الحرب الأهلية السودان إلى دولتين نتيجة إشعال إسرائيل لنار الفتن بين أصحاب المصير الواحد ، لإنعاش صناعة السلاح لديها بضمان إستمرار الأسواق من خلال بؤر الصراعات الملتهبه في أفريقيا عموما والسودان بشكل خاص.وكذلك لإستخدام علاقاتها القوية مع الدولة الوليدة في الجنوب بالتوازي مع علاقاتها المشبوهه مع عدد من دول منبع حوض نهر النيل لعمل مشروعات مائية وسدود للضغط على القاهرة تنفيذ الإستمرار في الموافقة على سياساتها الإجرامية في المنطقة ، علاوة على أطماعها التاريخية في مياه نهر النيل.
والنقطة الأخطر في رأيي في علاقة مصر بالولايات المتحدة على وجه التحديد ، هي في السياسة الزراعية المفروضة على الدولة المصرية بفعل تهاون وتعاون النظام العميل.فالسياسة كأداه هي الإختيار بين البدائل ، وكانت أمريكا تفرض على مصر عدم المضي في سبيل الإكتفاء الذاتي من القمح..وهي في واقع الحال لها هدفان.الهدف الأول ، إقتصادي ويتمثل في دعم المزارع الأمريكي ؛ بإستمرار أكبر سوق لإستيراد منتجه من القمح ، وهو مصر.أما الهدف الثاني ، غير مباشر وهو سياسي يستخدم تلك المؤامرة للتحكم في أمننا الغذائي لضمان إستمرار الضغط الأمريكي - الصهيوني على حرية القرار السيادي المصري بما يخدم مصالحها العليا قبل كل شيئ.
أما وأن تحررت مصر من قيودها ، وعادت الشرعية إلى أصحابها الحقيقين ؛ أي الشعب المصري.فأعتقد بل وأجزم أنه قد آن الأوان لعودة الحياه للقرار السياسي المصري الذي لابد ألا يُتخذ إلا للصالح المصري أولاً وأخيراً.وينطلق من ركيزة أساسية قوامها أن السياسة لغة مصالح وليست لغة صداقات ، ومن ليس مستعداً لأن يتعلم من أخطاء الماضي .. فليذهب إلى الجحيم.!
10 تعليقات القراء:
لذا علي الشعب المصري في الوقت الحالي أن يتحمل جزء هين من العهد السابق من تاريخ المخلوع .. حتي نرتب البيت من الداخل ونركب إضاءة كافية للإستنارة .
كما عليه أن ينتظر حتي نبني العصا التي لا تكسر إلا بالله ونستنعن فيها بالله ، حتي نهش بها علي الأغنام الخانعة ، ويكون لنا فيها مآرب أخري .
اعجبتني المقدمة الذي ذكرت التاريخ في سطور ، والخاتمة الواقعية .
وإن كنت أري ورأي مجرد رأي أن هناك بعد ترتيب الواقع أن يكون هناك سياستان لا سياسة ، سياسة الصداقة والشرع ، وسياسة الدولة / فمن ساعدنا فله ومن قاومنا فعليه :)
السلام عليكم.
عرض جميل لماضينا
وحاضرنا وأرجو
الله ان يوفقنا فى مستقبلنا
Mr.President
بالفعل نحن الأن في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل واتصور انها ستكون المهمة الرئيسية في الفتره المقبله ان شاء الله.
شكرا لك اخي الكريم
:)
norahaty
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكرا لحضرتك يادكتوره
ونورتي الموضوع
والله المستعان
:)
جزاك الله خيرا يا قلمنا الرصاص
السلام عليكم
اولا : حياكم الله استاذ سيد
ثانيا : بخصوص العنوان فانا بصراحه مش فهمته غير لما قرات البوست هههههه
ثالثاً : بخصوص مضمون المقال
فانا ايضا شايفه ان الجو ما زال بحاجة ايضا لعقلاء ( مسؤولين) يجتمعون بغزى مآسي المعاهدات والحروب السابقه ويقرروا ما الذي يمكن استفادته منها ف القادم
فيه حبة حاجات كده حضرتك ذكرتها فيما يخص نقظة السادات وما حدث كنت على جهل بها للاسف الشنيع :) :)
لكن جزاكم الله خيرا لاستنهاض المعارف :)
،،
رابعا : بخصوص الصيغه
فانا حاسة اني بقرأ مقال لفهمي هويدي
:)
ما شاء الله ،، راائعه
،،
سادساً :
شكرا جزيلـاً لطرحكم الرائع دوماً
كلمات من نور
وجزاكم بمثله
منوره حضرتك دايما
:)
تخاريف مترجمة
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله استاذه سحر
واشكرك جدا على هذا الاطراء والكلمات التي اتمنى ان استحقها بالفعل
إسنتهاض المعارف حته واحده؟؟؟!
ايه التعبير الرائع دا بس
ربنا يكرمك
وفهمي هوووووووويدي كمان؟؟؟!
انا كدا هطير بقىىىى
ربنا يكرمك يارب
شكرا جزيلا على مرورك وتعليقك
:)
اسكوت يامعنميييييييي
انا حسه ان المصريين تاهوا
ماحدش عارف ايه اللي بيحصل
بس احنا فاهمين
ولما تيجي تعمل حاجه
بيخنقوك
طب ليه قمنا بالثوره اصلا
ربنا معانا يارب
sony2000
وانا والله دلوقتي مش فاهم حاجة
^^
إرسال تعليق