القرار الذي طال انتظاره

القرار الذي طال انتظاره

اخيرا وبعد طول انتظار دام لأكثر من عشرين عاما ، يصدر أول قرار عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي . فقد صدر القرار الشهر الماضي سبتمبر 2009 بعد اعتماده من الدورة الـ 53 للمؤتمر العام بموافقة 49 ومعارضة 45 وامتناع 16 عضوا عن التصويت .والقرار يحث الدولة الصهيونية على الإنضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسحلة النووية .. ويجب الإشارة الى أن إسرائيل عضوا بالوكالة الدولية إلا انها الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي لم توقع على المعاهدة .

وُيعد القرار انتصارا للديبلوماسية العربية التي تحاول جاهدة منذ عام 91 انتزاع مثل هذه الورقة الضاغطة على الإسرائيليين لإخضاع برنامجهم النووي السري للتفتيش والمراقبة الدولية .. بعد أن ظلت الدولة اليهودية مدعومة دعما مطلقا بل وأعمى من الولايات المتحدة وأوروبا .

ومن المعروف أن إسرائيل لديها سادس أكبر ترسانة نووية في العالم بعد الخمسة الكبار أعضاء النادي الذري . ودائما ماكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لاتنكر ولا تؤكد امتلاكها لمثل هذا البرنامج في سياسة عرُفت بـ ( الغموض النووي ) . وللتاريخ ، لم يكن الرئيس الأمريكي جون كينيدي راضي في بداية الأمرعن امتلاك اسرائيل لمثل هذا بحجة عدم التسبب في سباق تسلح في المنطقة .. وبعدما تم اغتياله ، تلاقت الإرادتان الإسرائيلية والأمريكية منذ عهد إدارة نيكسون على استمرار إسرائيل سراً في تجاربها للأسلحة النووية طالما أن الأمر مازال غامضا لجميع الدول التي يمكن أن تعترض .

واستمرت إسرائيل متبعة سياسة الغموض النووي الى أن افتضح امرها عقب بث هيئة الإذاعة البريطانية فيلما وثائقيا خطيرا هز العالم تحت عنوان "سلاح إسرائيل السري" . وأقوى ما في هذا الوثائقي انه موثق بشهادة الشاب الإسرائيلي ( مودخاي فاعنونو ) الذي يُعد الدليل الحي الوحيد على امتلاك إسرائيل للقنبلة النووية ، وبعد ان فضح أمرهم نتيجة علمه بالتأثير الخطير لمثل هذه الأسلحه على المنطقة ومنها إسرائيل ، قرر إفشاء السر ، فاختطفه الموساد من ايطاليا وزُج به في السجن لمدة 18 عاما . وكانت هناك شواهدا اخرى ظهرت إبان حرب اكتوبر73 عندما كُشف الستار عن توقيع جولدا مائير محضرا توجه فيه الأوامر إلى وزير الدفاع موشي ديان بتجهيز السلاح النووي لضرب القاهره أو السد العالي أيهما أنفع لهم إذن لم يوقف الأمريكيين التقدم المصري في الحرب .

ورغم المساندة الأمريكية المطلقة لإسرائيل منذ قامت في مايو1948م إلا أن الأخيرة لاتثق الثقة المطلقة في أمريكا وتعطي لنفسها هامش معقول للمناورة والتحرك بحرية في الوقت المناسب اعتمادا على قدراتها الذاتية القائمة على ردع جيرانها المحيطين بها .. تحسبا لتغير الظرف الدولي المساند لها بتخلي الأمريكيين عنها لسبب أو آخر. وهي لعبة قديمة فعلتها مع الأوربيين اللذين بنوها على أرض العرب ، وعندما تيقنت انهم لن يساندوها في المستقبل ، نقلت خيوط اللعبة الى الولايات المتحدة .. فالهيودي يهودي وسيظل على هذا الحال .

وأعتقد اننا إزاء لحظة فاصلة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بعد صدور مثل هذا القرار الدولي الذي تعسر مخاضه فترة طويلة من الزمن . فكثيرا ماجاءت الفرص تلو الأخرى للعرب لتصحيح الوضع الدولي لصالحهم على حساب إسرائيل إلا أنهم دائما لايستثمرون الفرص التي تُتاح لهم دوما على طبق من ذهب ، عكس اليهود الذين ينحتون في الصخر لإيجاد الفرص ، وعندما تأتيهم يصنعون منها المعجزات لصالح بقائهم وتماسكهم ككيان واحد لايقبل القسمة على اثنين .

فهل يستغل العرب هذا الصيد الثمين ، ويطرقون على الحديد وهو ساخن ؟! فمعظم دول اوروبا الغربية نفسها وروسيا الإتحادية وغيرها من الدول المحيطة بإسرائيل ، أصبحت قلقة قلقا شديدا من امتلاك الصهاينة لبرنامج نووي تزيد قدراته الردعية على ثلاثمئة رأس حربية قادرة على تدمير منطقة الشرق الأوسط ونسفها نسفا.

أشعر وكأن العرب في الفترة الراهنة تغيرت جيناتهم وأصابهم الغباء السياسي لدرجة جعلتهم يتصرفون وكأنهم يطمئنون ويحتمون بالمظلة النووية والعسكرية الإسرائيلية من مخاطر الخارج حتى لو كان سيأتيهم من دولا إسلامية.هل يفيق العرب والغرب سواءَ بسواء من سباتهم ليعرفون الفارق بين دولة تمتلك بالفعل ترسانة نووية كاسحة كإسرائيل وبين دولة مازال أمامها طريقا طويلا للوصول لصنع رأسا حربيا واحدا مثل إيران .. أعلم ان من حق العرب التخوف من الطموح الإيراني وحلمهم بإستعادة قوتهم كإمبراطورية فارسية عظمى ، لكن شتان بين مشروع مازال في يد المستقبل الذي لايعلمه سوى الله ، وبين مشروع قوي وكبير موجود على أرض الواقع لليهود في قلب الوطن العربي ؟!

أشك في هذا !

------------

ده كان نص مقالي بمجلة رؤية مصرية
العدد الأسبوعي رقم 28 بتاريخ 17-10-2009

من هنا

ودمتم في حفظ الله

تحيتي / قلم رصاص