مقالي في مجلة رؤيــــــــة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أزف لنفسي بشرى انضمامي الى أسرة تحرير مجلة رؤية مصرية
تحت قيادة صاحب القلم الرفيع .. الأستاذ / إبراهيم العدوي

المقال بتاريخ اليوم السبت الموافق 15 أغسطس 2009م

تحت عنوان

مبدأ المعاملة بالمثل

---------
نص المقال
---------

مبدأ المعاملة بالمثل

من المعروف أن المعاملة بالمثل ، أحد المبادئ المستقره في العلاقات الدولية والتي غالبا ما توجدها إتفاقات ثنائية أو معاهدات متعددة الأطراف.ومضمون المبدأ ، أن تمنح دولة ما بعض المزايا الخاصة لرعايا دولة أخرى على أراضيها في مقابل حصول رعاياها من تلك الدولة على نفس المميزات .

وإذا كان الأمر كذلك ، فيبدو لنا أن المسألة واضحة وتتسم بالبساطة . ذلك لأن الدولة غير مجبرة على إعطاء الميزة النسبية لأي دول أخرى إلا إذا وافقت تلك الدول على نفس الشروط . لكن على الجانب الأخر ، نجد أن بعض الدول تلجأ الى تطبيق أنظمة صارمة على العاملين لديها من مواطني دول أخرى ، في حين ان تلك الدول لاتقابلها بنفس الاجراءات .

والمثال الحي على ذلك ، هو معاملة الدول الخليجية للعاملين المصريين .. مبدأيا أريد التأكيد على أني أكن كل ود وحب واحترام لكل الدول العربية بما فيها دول الخليج .. فأسرتي الكبيرة تتكون من اثنتين وعشرين دولة عربية ، وذلك حتى لايُساء فهم ما أقوله .

فالمصريين بالخارج أكثر من 70% منهم يعملون بالخليج في مهن متعددة وهم بالملايين . وتشكل تحويلاتهم للعملة الصعبة واحدة من أهم مصادر النقد الأجنبي للإقتصاد المصري، هذا بالإضافة إلى أن وجودهم في هذه الدول يعد تخفيفا من حدة البطالة التي هي أهم مشكلة مزمنة لأي حكومة مصرية .. كما أنهم يعتبروا سفراءً لمصر وواجهة مشرفة لها في الخارج .

لكن كما نعرف ليس مايتمناه المرءُ يدركه .. فالعاملين المصريين بدول الخليج يُساء معاملتهم الآن أسوأ معاملة .ويأتي على رأس مايقابلهم من مشكلات مايعرف بنظام " الكفالة " . فالمصري بمجرد حصوله على الفيزا لدولة مثل الممكلة العربية السعودية يكون على ذمة كفيل ..وغالبا مايكون هذا الكفيل سعودي ، ولايستطيع المصري العمل لدى أي مؤسسة دون استئذانه ، ولاتغيير المهنة أو مكان العمل إلا برضاه . ويكون لهذا الكفيل نسب معينة من دخل العامل . صحيح أن هناك بشر من هؤلاء الناس جديرين بالتقدير والاحترام ويتعاملون بما يرضي الله ، لكن بكل أسف الغالبية العظمى منهم يصلوا بأفعالهم وتصرفاتهم الغير إنسانية بالمرة إلى حد وصفهم بالشياطين الزرق !

وقد وقعت في الأونة الأخيرة ولاتزال بعض الأحداث المؤسفة للكثيرين من العمالة المصرية بالسعودية والكويت خصوصا ، نتيجة تسلط واستغلال الكفيل لهم. وبالطبع لم يتحرك مسئول مصري تحركا فعالا في هذا الشأن .. فالمسئول لايعنيه الأمر في شيئ ، فكل همه الوظيفي هو الجلوس في تكييف مكتبه وتعيين سكرتيرة حسناء واقتناء سيارات فارهه والسفر لأوروبا وأمريكا للنزهه .. وكأن الديبلوماسية أصبحت مجاملات وفسح .. وهذا ليس بصحيح . فالديبلوماسية في الدول المحترمة أداة من أهم أدوات الحفاظ على الأمن القومي للدولة وذلك بتقوية علاقاتها الدولية بكل أشخاص المجتمع الدولي من دول ومنظمات عالمية ، وكذلك حماية مواطنيها في الخارج . وانا لا أعلم لما وصل أداء مصر الديبلوماسي الى هذا المنحدر المخيف ، بعدما كانت الديبلوماسية المصرية مدرسة عالمية يُحتذى بها وتضرب بها الأمثال في الغرب نفسه .

فهل تناسينا واقعة الطبيبين المصريين بالسعودية ، وواقعة تعذيب أحد المواطنين المصريين في مركز للشرطة بالكويت ، وغيرها من التجاوزات الفجة التي أصبحت في طي النسيان ومنها مالم يُفصح عنه بعد . فالعيب ليس على هذه الدول ، لأنها ترى في المصري إنسانا يتيم الجنسية أو فاقد للهوية ، وذلك لعدم وجود من يحميه من حكومة بلاده .

الحكومة المصرية بل والنظام السياسي نفسه ، مسئولون أمام الله ثم التاريخ عن ذنب هؤلاء ، ويجب عليهم التدخل لدى هذه الدول لإلغاء نظام الكفالة هذا ، أو معاملة رعايا تلك الدول بالمثل على الأراضي المصرية .

كفى بالمصريين مهانة أينما ذهبوا ، فالكرامة المصرية أصبحت عرضه للتنكيل من الأخرين في كل صوب وحدب ، وعلى الحكومة اتخاذ مواقف حاسمة لإرجاع الأمور الى نصابها .

ولكن مازاد الطين بله ، أننا لم نكتفِ بالتخاذل عن أداء واجبنا ودورنا فقط ، بل تخطينا كل حدود المنطق في التخاذل لصالح أنفسنا . فمن المعروف أن الوظيفة العامة في أي دولة من دول العالم تخضع لشروط شديدة ، من بينها أن يكون المتقدم لشغل الوظيفة يحمل الجنسية الوطنية لدولته . لكن انظروا لقانون العاملين المدنيين بالدولة الحالي رقم 47 لسنة 1978م ، والذي جاء فيه : " يمكن إعفاء رعايا الدول العربية من شرط الجنسية لشغل الوظيفة العامة في جمهورية مصر العربية ، بشرط المعاملة بالمثل "

فأيها أولى وأحق ، تقديم التنازلات للمواطن العربي على أرض مصر ، أم حماية المواطن المصري على أرض العرب ؟!!!

أعلم أن مشاكلنا كثيرة ، والأعباء أكثر وأكثر..وطالما مواردنا محدودة ، فعلى الحكومة الحفاظ على مواطنيها في الخارج خصوصا في الدول الخليجية ، ضمانا حتى لاستمرار تدفق العملة الأجنبية من تحويلاتهم للاقتصاد الوطني الذي يعاني أزمات مزمنه ، إضافة الى أن عودتهم للوطن سيصبح كارثه إقتصادية أخرى ، وذلك لأنهم سيضافوا الى قوة البطالة المصرية .. فأنا من وجهة نظري ، ليس هناك قوة عمل مصرية ، وانما قوة بطالة .. فالبطالة أصبحت أقوى بكثير الى الحد الذي يجبرنا خلع صفة القوة عليها بدلا من العمل .

أسأل الله التوفيق للبلاد والعباد